الزكاه وآثارها الاقتصادية ........... ما نقص مال من صدقة
الزكاة هي ركن من أركان الإسلام ، والمعنى اللغوي للزكاه هو الطهر والنماء، أما في معناها الاصطلاحي فهي استقتطاع مالي جبري من أموال المكلفين ليعاد توزيعه على مستحقين معينين.
من المعلوم أن الملكية كما تعارف عليها الناس هو علاقة ثنائية بين الإنسان والمال، إلا أن الإسلام أعاد تعريف هذا المفهوم حينما أقر مبدأ الاستخلاف، فقال تعالى: "وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه" (سورة الحديد، الآية 7)، وقال أيضا: "وآتوهم من مال الله الذي آتاكم" (سورة النور، الآية 33)؛ فالمال مال الله والناس مستخلفون فيه ومأمورون بالإنفاق منه، فالله سبحانه وتعالى هو المالك، والإنسان هو الخليفة، والمال هو محل الاستخلاف ، وهذا الفهم والتصور ينقل موقع الإنسان من مالك متصرف فيما يملك إلى مستخلف ملزم بدليل الخلافة، ونظام الزكاة ركن من أركان هذا الدليل.
ومن مبدأ الاستخلاف ، وبما أن الله سبحانه هو المالك للمال وقد أمرنا بالزكاه ، فإننا كمسلمين مؤمنين مقتنعين بأن الله هو من يدبر لنا ويحسن التدبير، ولا بد أنه فرض الزكاه لأهداف تسمو بالجتمع إلى ما يليق بالتشريع الرباني . من هنا جاءت هذه المقالة لتشير إلى بعض ن الآثار الاقتصادية التي تتركها الزكاه على المجتمع عوضا عن آثارها الاجتماعية المتمثلة في التكافل الاجتماعي والتي لا تخفى على أحد ، ومن أهم الآثار الاقتصادية :
1. من المعلوم أن الفقراء هو أصحاب الحاجات غير المشبعة ، فالفقير يعرف عادة بميله الحدي العالي للاستهلاك ، ولتبسيط الأمور ، فإن الفقير عادة ما ينفق كل دخله، وكل قرش يدخل عليه من خلال الزكاه أو الصدقات الأخرى لا يتم ادخاره وانما يتوجه مباشرة إلى المصروف بعكس الأغنياء الذين لا ينفقون كل دخولهم . من هنا فإن الزكاة ستؤدي بالنهاية إلى زيادة الطلب الاستهلاكي لدى هذه الفئة من المجتمع مما يعني فائدة مزدوجة فائدة بالنسبة للفقير باشباع حاجاته وفائده بالنسبة للاقتصاد بتحريكه نظرا لزيادة القدرة الشرائية لهؤلاء وزيادة الطلب العام على السلع والخدمات وهذا المحرك الاساسي لأي اقتصاد.
2. إن زيادة الطلب الاستهلاكي الناجم عن الزكاه كما تم توضيحه في النقطة الأولى سينتج عنه زيادة في الطلب الاستثماري ، حيث أن زيادة الطلب على السلع الاستهلاكية سيشجع الصانعين والمستثمرين على زيادة الانتاج مما يعني زيادة الطلب على مدخلات الانتاج ( الأرض ، العمل ، رأس المال والتنظيم) وهذا يعني أن الزكاه سوف تدفع إلى مستويات أعلى من التوظيف وتحد من البطالة ، علما بأن هذا الأمر يسلم به الاقتصاديون بشكل عام ، حيث أن كل إعادة توزيع لصالح الفقراء تتسبب في ارتفاع مستوى التوظيف.
3. تفرض الزكاة على المال القابل للنماء دون اشتراط نمائه الفعلي ، وبهذا ولكون الزكاه هي فرض فإن مالك المال يساق الى الاستثمار سوقا لكي يدفع الزكاه من أرباحه لا من أصل ماله حتى لا تأكل الزكاه والصدقات هذا المال ، وهذا ما حذر منه رسولنا الكريم وهذا ما يقع فيه كانز المال.
4. للزكاه أثر بالغ في تحقيق الكفاءة الاقتصادية في تخصيص موارد المجتمع حسب الحاجات الحقيقية ، ففي حين أن تركز الثروة يؤدي إلى تكريس موارد المجتمع لانتاج حاجات الأغنياء الترفيهية على حساب حاجات الفقراء الضرورية ، فإن نظام الزكاه يشبع الحاجات الاساسية للفقراء حينما يتوجه المستثمرون للانتاج لتلبية تلك الحاجات مدفوعين بزيادة الطلب الاستهلاكي .
5. كما أن الزكاه تعمل على تعظيم الرفاهية لأنها تعظم المنفعة الكلية للمجتمع ، حيث أن منفعة وحدة النقد في يد الفقير المحتاج أعظم من منفعتها ذاتها في يد الغني ، وبالتالي فإن وحدات المنفعة التي يفقدها الأغنياء من جراء دفعهم للزكاه هي أقل من وحدات المنفعة التي يكسبها الفقراء على الرغم من أن المال المدفوع والمقبوض هو بنفس الكمية . فسبحان الله.
هذا جزء يسير من أثار الزكاه وما في حكمها مثل الصدقات على الاقتصاد ، وهنا نكون قد توصلنا إلى نتيجة مهمه وهي أنه حينما قال رسولنا الكريم : ما نقص مال من صدقه ، فالمقصود به هو الدورة التي تمر بها هذا الصدقة بيد الفقير ثم الى التاجر ثم الى الصانع الذي تشجع على زيادة الانتاج وبالتالي يزيد ربحه وتعود له صدقته أضعافا وهذا هو المقصود من الحديث الكريم والله أعلم .
بقلم د. فؤاد الكلباني