يحكى أن هنالك قرية صغيرة كانت تعتاش من ثمار الأشجار المتنوعة التي اشتهرت بها على مر السنين، وكان عمدة القرية هو عادة ما يقرر ما هو في صالح القرية أو في غير صالحها ، فهو "الفهمان" الوحيد ، وكيف لا وقد غزا الشيب رأسه وأصبح بحكم سنين عمره يوصف بأنه صاحب الحكمة والحنكة القادر على تجنيب القرية كل سوء. حدث أن مر على هذه القرية سنين عجاف ، جفت فيها الينابيع وأصبحت أشجارهم ضعيفة وثمارهم شحيحة ، ولا تكاد تكفيهم لمعيشتهم . في كل سنة من هذه السنوات كان أهل القرية يهرعون إلى العمدة ليجد لهم حلا لما هم فيه ، فيخبرهم أن هذا الأمر مؤقت ولن يدوم طويلا ، فاصبروا ليس لكم سوى الصبر . سنة وراء سنة وأهل القرية صابرون إلى أن أتت هذه السنوات على معظم مدخراتهم السابقة وأصبحوا في حالة يرثى لها ، فهرعوا إلى العمدة مرة أخرى ليخبروه بما حل بهم . طلب منهم العمدة أن يمنحوه بعض الوقت حتى يتجول بين الأشجار المصفرة ليخرج لهم بالحل العبقري كعادته . وبعد عدة أيام، وبعد أن قام العمدة بصلاة ركعتين لله شكرا على ما هداه إليه ، جمع العمدة أهل القرية في ساحة الجامع ، وأخبرهم بأنه فكر بحل يزيد من ثمرهم ويحسن ناتج أشجارهم ، نعم ، لقد وضع العمدة يده على المشكلة . هكذا فكر أهل القرية. وبعد لحظات الصمت التي سادت المكان بانتظار الحل المبدع ، انطلق صوت العمدة الحازم ليقول لهم : إن المشكلة تكمن أن معظم مواردنا المائية تذهب باتجاه ساق الاشجار ولا يصل منها للثمر إلا القليل القليل ، وهذا أمر غير مقبول ويؤثر على ثمارنا ويضر بها ، فانطلقوا يا أبنائي واقطعوا سيقان تلك الأشجار حتى تعيش الثمار!. لا تعجبوا لما طرحه العمدة ، فقد شهدنا في أيامنا هذه من يريد أن يضحي بالآباء حفاظا على قوت الأبناء في المستقبل ، ولم يعلم أنه إن فعل ذلك ، فإنه سيخرج للمجتمع الفقير والقاتل والمجرم ، ويكون بذلك قد ضحى بالحاضر والمستقبل!
د.فؤاد الكلباني
Tags
سياسه واقتصاد