لعل ظاهرة تأخر سن الزواج لدى الشباب هي من أحد أهم الظواهر التي بدا المجتمع الأردني يعاني منها هذه الأيام ، قد لا أملك الإحصائيات الكاملة لهذه الظاهرة ، ولكن الأمر بات واضحا ولا يحتاج إلى المزيد من الأرقام والإحصائيات ، ولينظر كل منا إلى محيطه ليعلم حجم المشكلة
يبدأ الشاب المسكين بداية مشواره في الحياة العملية بعد تخرجه من الجامعة ، حيث تبدأ القصة بالأمل ، الأمل في الوظيفة ، الأمل في مساعدة الأهل ، الأمل في الزواج والاستقرار ، ولكن سرعان ما يتبدد هذا الأمل ، فالوظائف شحيحة و تحتاج إلى سنوات من الانتظار ، يجف معها الأمل وتتبخر الأحلام وحتى المعلومات التي حصل عليها خلال دراسته تبدأ بالتلاشي شيئا فشيئا .
دعونا نبتعد قليلا عن لغة التشاؤم ، فطال الزمان أو قصر سيجد العديد من الباحثين عن العمل ضالتهم المنشودة بوظيفة "تستر حالهم" . هنا تبدأ قصة جديدة ، فالراتب قليل ، ولا يتجاوز عادة 350 دينار بالمتوسط ، سينفق منها على المواصلات (وطبعا أنتم تعلمون مدى رخص المواصلات في بلدنا) وجزء منه على الدخان ( وأكيد هذا الشاب بيدخن بعد سنتين أو ثلاث قعاد في بيت أهلو) ، وجزء على اللبس ( الله يرضى عليها حكومتنا اللي خلت الملابس بدها ميزانية) ، وسيعطي أمه مبلغ يسير يكاد يكون نوع من المشاركة المعنوية ليس إلا .
تمضي الأشهر على هذا الحال ، وقد يرتفع الراتب قليلا ، وهنا يبدأ الشاب بتوسيع الطموح ، ويبدأ بالأمل مرة أخرى (طبعا في هذه المرحلة بيكون نفسو يتجوز) ، ويبدأ بترتيبب أوراقه من جديد، ويدخل في حسابات الراتب ، فيجد أن المبلغ الذي يفيض معه في نهاية كل شهر بعد خصم المصاريف الشخصية لا يتجاوز 100 دينار، وهنا يصحو من الصدمة ( يا عيني ، يا عيني ، 100 دينار بدها تجيب مهر ولا شبكة ولا تستأجر بيت ولا شو تعمل!!) ويتجه تفكيره إلى منحى جديد، وهو أنه طالما لا أستطيع حتى التفكير بالزواج ، وبالمقابل لا يمكن أن أبقى أعمل وآكل وأشرب وأنام فقط ، فلا بد من حل مبدع : " يجب أن أزور أقرب بنك وأحصل على قرض لشراء سيارة ، وهذا اقل شيئ حتى استمتع بشبابي" (طبعا أحنا بنحكي عن شاب سوي ، مش شاب بيلعب في ديله) ، ويشتري هذا الشاب السيارة فعلا وهي سيارة كورية بالطبع (كيا سيفيا أو هونداي أكسنت) مضى عليها أكثر من عشر سنوات وتحتاج إلى ورشة اصلاح كل يوم ، وهنا حتى المساعدة المعنوية التي كانت تقدم لوالدته سوف تنقطع، وتبدأ الحكومة مرة أخرى بالشكوى من ارتفاع عدد السيارات وزيادة فاتورة الوقود ، وكأنهم خاليين طرف وما إلهم علاقة باللي بيصير!!
لا أعلم متى سيفرجها الله على الشباب والشابات، ولكن فالتعلم الحكومة ، أن آفة تقدم سن الزواج هي إهدار لطاقات الشباب وتوجيهها نحو المجهول فيما لا يحمد عقباه، وهي عبئ على الأهل و غصة في نفس كل عائلة لديها شاب أو شابة فاتهم قطار الزواج.
سعيد الكلباني
Tags
سياسه واقتصاد